الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد :
فرفع الإصبع في التشهد يكون من أوله إلى آخر الدعاء بعد التشهد .
ففي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه ، وفرش قدمه اليمنى ، ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ، ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ، وأشار بإصبعه .
وفي مسلم –أيضاً- من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- : أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا قعد في التشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ، ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى ، وعقد ثلاثة وخمسين وأشار بالسبابة .
وصح مثل ذلك من حديث وائل بن حجر -رضي الله عنه- وفيه : ((كان إذا قعد للتشهد...)) الحديث .
ففي هذه الأحاديث التصريح بأن رفع السبابة يكون مع بداية الجلوس للتشهد وليس عند النطق بالشهادة!
ولم يرد حديث واحد فيه أن الإشارة بالسبابة عند النطق بلفظ الجلالة أو عند ذكر الشهادة فهذا من البدع والمحدثات ومن التحكم في النصوص .
لذلك فالصواب الذي لا محيد عنه أن الإشارة بالسبابة تكون من أول التشهد إلى آخره .
وأما رواية ((يدعو بها)) فلا دليل فيها على أنه لا يرفع من أول التشهد وإنما عند الدعاء فقط لأمرين:
الأمر الأول: أن الدعاء –كما هو معلوم- ينقسم إلى قسمين : دعاء ثناء وعبادة ، ودعاء طلب ومسألة .
فالتشهد مشتمل على نوعي الدعاء فأوله ثناء وأوسطه وآخره طلب وسؤال .
الأمر الثاني: أن الإجماع من المنتقدمين والمتأخرين قام على استحباب الإشارة عند الشهادة وهي ليست من دعاء المسألة وإنما من دعاء الثناء والعبادة.
فمن قصر التحريك على دعاء المسألة فقط فقد تحكم في النص وخصص بلا مخصص .
لذلك فالصواب أن الإشارة بالسبابة تكون من بداية التلفظ بالتحيات إلى الشروع في القيام للركعة الثالثة[إذا كان في التشهد الأول] أو الشروع في السلام .
والذي عليه الأئمة الأربعة هو الإشارة بالسبابة كما ورد في الأحاديث دون تخصيصها بالتلفظ بالشهادة أو عند ذكر لفظ الجلالة فهذا لا يعرف عن الأئمة الأربعة .
وهذا إنما عرف عند المتأخرين من أصحاب المذاهب الأربعة وهو غلط مخالف للسنة ولما عليه الأئمة الأربعة .
والعجيب أن يستدل المتأخرون من المذهبيين بلفظ : ((إذا قعد في التشهد)) ولفظ: ((إذا قعد للتشهد)) على أن الإشارة بالسبابة تكون عند التلفظ بالشهادة !!
وهذا من أعجب الاستدلال!
فإن الحديث ليس فيه أنه يشير إذا تشهد ! بل إذا قعد للتشهد والقعود للتشهد يبدأ من بداية الجلوس ومن ثم الشروع في التشهد .
ثم إن التشهد لا يطلق على التلفظ بالشهادة وإنما على التحيات من أولها حتى ختام الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- أو إلى ختام الشهادة على تفصيل معروف عند العلماء .
وهذا كلفظ الركعة لا يطلق على الركوع وحده بل على الركعة المشتملة على القيام والقراءة والركوع والسجود والجلوس بين السجدتين .
ولو فقدت السجدة أو الجلسة بين السجدتين لم يطلق عليها ركعة .
فالخلاصة : أن الاقتصار على الإشارة بالسبابة عند دعاء الطلب أو عند التلفظ بالشهادة أو عند التلفظ بلفظ الجلالة مخالف للسنة وأن الصواب هو الإشارة بالإصبع من أول التشهد إلى آخره مع الدعاء بعده .
وهنا مسألة أختم بها هذا الجواب وهي :
هل السنة الإشارة دون تحريك ، أو التحريك؟ وهل يحني السبابة أم لا ؟
والجواب:
أن صفات الإشارة قد جاءت على أربعة أوجه :
1/ الإشارة مطلقاً دون تقييد . : ((أشار بالسبابة)) .
2/ التقييد بالتحريك : ((يحركها يدعو بها)) .
3/ نفي التحريك : ((لا يحركها)) .
4/ النصب . ((ونصب إصبعه)) .
فأما الإشارة فهي ثابتة صحيحة متفق عليها ، مجمع على صحتها وثبوتها وهي لا تنافي الروايات الأخرى لأن الإشارة قد تكون مع التحريك وبدونه وهذا معلوم .
وأما رواية التحريك فتفرد بها زائدة بن قدامة عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر -رضي الله عنه- .
وقد صححها ابن خزيمة وابن حبان ورواه ابن الجارود في المنتقى والنسائي في المجتبى وصححها النووي وابن الملقن والشيخ الألباني وغيرهم .
ولم أر أحدا من العلماء طعن في صحتها إلا أبا بكر ابن العربي وأما من المعاصرين فعدة .
ورواية التحريك لا تعارض رواية الإشارة بل تجامعها فالإشارة تكون بتحريك وبغيره .
ثم إن زائدة ثقة ثبت وقد قبل زيادته الأئمة الذين صححوا الحديث .
ويشهد لها –أي لسنية التحريك- ما رواه الثوري في جامعه عن أبي إسحاق السبيعي عن أربدة التميمي قال: سئل ابن عباس -رضي الله عنهما- عن تحريك الرجل إصبعه في الصلاة ، فقال: ذلك الإخلاص .
ورواه عن الثوري : عبد الرزاق(2/249) ،ومصنف ابن أبي شيبة(6/87) والبيهقي(2/133) واللفظ لعبد الرزاق والبيهقي.
وسنده حسن .
أربدة : وثقه العجلي ، وذكره ابن حبان في الثقات ، وروى له أبو داود وسكت عن حديثه ، وصحح له الضياء في المختارة ، وقال الحافظ ابن حجر في التقريب: صدوق .
وهو مفسر مشهور ، وهو من رواة التفسير عن ابن عباس ، وحكى أبو إسحاق السبيعي عنه أنه قال: ما سمعت بأرض فيها علم إلا أتيتها رواه الإمام أحمد في العلل(1/157).
وجهله ابن البرقي وذكره أبو العرب الصقلي في الضعفاء فلم يصب .
والخلاصة أنه حسن الحديث .
والتحريك هو مذهب الإمام مالك ورواية عن الإمام أحمد .
وأما رواية ((ونصب أصبعه)) فصحيحة ولا تعارض التحريك بل تحمل على أنه نصب أصبعه ثم حركه .
وأما رواية: ((لا يحركها)) فهي شاذة .
ومن قال بشذوذ لفظة : ((يحركها)) فله وجه .
والذي يظهر لي أن الأمر واسع وأنه إن شاء حرك أصبعه وإن شاء لم يحرك .
وإن كان القلب إلى عدم التحريك أميل .
وأما ما جاء في انحناء السبابة فرواية ضعيفة منكرة .
فلا يسن ثني الإصبع وتقويسه بل يكون ممدوداً .
ومن السنة أن يكون إصبعه السبابة موضع نظره طول جلسة التشهد .
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .